اتهامات خان- تحدٍ لاستقلالية محكمة الجنايات وسط ضغوط غزة وأفغانستان

تُواجه المحكمة الجنائية الدولية منعطفًا حرجًا يضع استقلالها وموثوقيتها على محك الاختبار، وذلك في خضم الادعاءات الخطيرة التي طالت المدعي العام كريم خان، والتي تتهمه بسلوكيات غير لائقة ذات طبيعة جنسية. وتأتي هذه الاتهامات في توقيت بالغ الدقة والحساسية، حيث يرزح خان تحت وطأة ضغوط هائلة، وذلك جراء تحقيقاته المُعمَّقة في جرائم الحرب التي ارتُكبت في قطاع غزة، بالإضافة إلى طلبات إصدار أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت.
تتداخل التعقيدات السياسية والدبلوماسية بشكل متشابك مع مسار التحقيقات الجارية، الأمر الذي يضع المحكمة في مواجهة امتحان عسير، يختبر قدرتها الفائقة على إرساء العدالة وتحقيقها على أكمل وجه.
يسبر هذا المقال أغوار هذه الاتهامات بكل تفاصيلها الدقيقة، مع استعراض توقيتها الزمني، والتأثيرات المحتملة التي قد تلقي بظلالها على مستقبل المحكمة الجنائية الدولية، مع إلقاء الضوء الساطع على التحديات التقنية والفنية المعقدة التي تواجه المحكمة في سعيها الدؤوب لتحقيق العدالة المنشودة.
تفاصيل الاتهامات وتوقيتها
في الحادي عشر من شهر نوفمبر/تشرين الثاني لعام 2024، أعلنت المحكمة الجنائية الدولية عن عزمها الشروع في تحقيق موضوعي معمق، وذلك للتحقق من صحة المزاعم التي تتهم المدعي العام كريم خان بالتورط في سلوكيات جنسية غير لائقة.
وقد جاءت هذه الاتهامات في أعقاب تقرير داخلي مُفصَّل، قامت بتقديمه إحدى زميلات خان، حيث ادعت فيه تعرضها للتحرش الجنسي من قِبَله. وقد نفى خان هذه الادعاءات بشكل قاطع وجازم، مؤكدًا أنها تأتي في سياق حملة مُمنهجة من الهجمات الشرسة التي تستهدفه وتستهدف المحكمة بأكملها.
إن التوقيت الذي ظهرت فيه هذه الاتهامات يثير العديد من التساؤلات المشروعة وعلامات الاستفهام، خاصةً وأن خان كان قد تقدم في شهر مايو/أيار من عام 2024 بطلب لإصدار أوامر اعتقال بحق نتنياهو وغالانت، وذلك بتهمة ارتكاب جرائم حرب بشعة. وقد أثار هذا الطلب غضبًا عارمًا لدى إسرائيل والولايات المتحدة، بالإضافة إلى عدد كبير من الدول الغربية، الأمر الذي زاد من حدة الضغوط الواقعة على عاتق خان.
ويرى بعض المراقبين والمحللين أن هذه الاتهامات قد تكون جزءًا لا يتجزأ من حملة تهدف إلى تشويه سمعته وتلطيخها، وإضعاف موقف المحكمة الجنائية الدولية في القضايا الحساسة التي جعلت موضوع العدالة الدولية على المحك.
صحة الاتهامات وتأثيرها
حتى هذه اللحظة، لم يتم إثبات صحة هذه الاتهامات بشكل قاطع ومؤكد. وقد أكدت المحكمة الجنائية الدولية أنها ستجري تحقيقًا خارجيًا وافيًا، بهدف ضمان سير العملية بنزاهة واستقلالية تامة. ومن جانبه، أكد خان أنه سيواصل أداء مهامه في الإشراف على التحقيقات المتعلقة بجرائم الحرب، بينما سيتولى نوابه التعامل مع أي قضايا ذات صلة بالتحقيق معه.
ولا يزال من غير الواضح حتى الآن كيف ستؤثر هذه الاتهامات على الدعاوى القضائية المرفوعة ضد نتنياهو وغالانت. وقد أكدت المحكمة الجنائية الدولية أن التحقيقات في جرائم الحرب سوف تستمر بغض النظر عن التحقيق الجاري مع خان. ومع ذلك، قد تتسبب هذه الاتهامات في تأخير الإجراءات القانونية أو تعقيدها، خاصةً إذا ما تم إثبات صحة الادعاءات الموجهة ضد خان.
خطوات التحقيق
عند الانتهاء من التحقيق في الادعاءات الموجهة ضد المدعي العام كريم خان، ستكون هناك عدة خطوات محتملة يمكن اتخاذها. في البداية، سيقوم الفريق المستقل المكلف بإجراء التحقيق بتقديم تقريره النهائي الشامل إلى المحكمة الجنائية الدولية، والذي سيتضمن نتائج التحقيق والتوصيات التي توصل إليها.
بعد ذلك، ستقوم المحكمة بمراجعة التقرير بدقة وعناية فائقة، وذلك لتحديد مدى صحة الادعاءات والأدلة المقدمة. وبناءً على نتائج التقرير، ستتخذ المحكمة قرارًا بشأن الإجراءات اللاحقة.
في حال تم إثبات صحة الادعاءات، فقد يتم اتخاذ إجراءات تأديبية صارمة ضد خان، والتي قد تشمل الإيقاف عن العمل أو حتى الإقالة من منصبه. أما إذا لم يتم إثبات صحة الادعاءات، فسيتم تبرئة خان واستمراره في منصبه. وستقوم المحكمة بإعلان نتائج التحقيق للجمهور، وذلك لضمان الشفافية المطلقة.
واستنادًا إلى نتائج التحقيق، قد يتم تعديل بعض القضايا الجارية أو تأخيرها، خاصةً إذا كانت تتعلق بالمدعي العام بشكل مباشر. ومن الناحية التقنية والفنية، يعتمد نجاح التحقيق على مدى دقة الأدلة المقدمة واستقلالية الفريق المكلف بإجراء التحقيق.
إن استخدام التقنيات الحديثة المتطورة في جمع الأدلة وتحليلها، مثل الفحص الرقمي والشهادات الموثقة، يمكن أن يعزز من مصداقية التحقيق بشكل كبير. بالإضافة إلى ذلك، فإن الشفافية في الإجراءات وضمان عدم التدخل السياسي يعززان من ثقة المجتمع الدولي في نتائج التحقيق.
وإذا تم التعامل مع التحقيق بأسلوب مهني وشفاف، فإن ذلك سيعزز من قدرة المحكمة الجنائية الدولية على مواجهة التحديات الصعبة وتحقيق العدالة المنشودة.